مقامات الشيعة و مشخَّصاتهم

17-08-2023

مقامات الشيعة و مشخَّصاتهم

التاريخ: 18/5/1432هـ

بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز و جل: )وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ([1]صدق الله العلي العظيم. إن السالكين في صراط الله المستقيم إنما هم شيعة علي % كما تؤكد على ذلك الروايات الواردة عن أهل البيت ( و لذلك أحببنا أن نقف وقفة سريعة عند هذه الطائفة المحقّة الموفّقة إن شاء الله في مقامها و في صفاتها.

مقامات الشيعة

نكتفي بإيراد الروايات التي جاءت لتمييز هذه الطائفة زماناً و صفاتاً. أما من حيث المقام فهذه طائفة أشارت الآية إلى أن )لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ( و أن الله وليّهم و ذلك بما كانوا يعملون ، عن ابن أبي نجران قال سمعت أبا الحسن % يقول: «من عادى شيعتنا فقد عادانا و من والاهم فقد والانا لأنهم منّا خلقوا من طينتنا؛ إنّ قوله%: من طينتنا هو بدل من (منّا) يعني خلقوا من فاضل طينتنا، ثم قال%:  من أحبهم فهو منّا و من أبغضهم فليس منّا، شيعتنا ينظرون بنور الله و يتقلبَّون في رحمة الله؛ إشارة إلى أن جميع أحوالهم هم في عناية الله و رحمته ، حتى عندما تعترض عليهم، أي تنتابهم حالات متعارضة من الرخاء و اللين و من الشدة و البلاء و لكنهم في كل ذلك -إن شاء الله- هم يتقلبون في رحمة الله، و يفوزون بكرامة الله؛  في هذه الدنيا يتقلبون في رحمة الله و في الآخرة يفوزون بكرامة الله، ما من أحد من شيعتنا يمرض إلا مرضنا لمرضه؛ لهم من الإهتمام و الولاية من أهل البيت ( ما يبلغ بهم هذه المرتبة من الكرامة، و لا اغتمّ إلا اغتممنا لغمّه؛ إذن هم معكم إن شاء الله يعيشون همّكم، و لا يفرح إلا فرحنا لفرحه و لا يغيب عنا أحد من شيعتنا أين كان في شرق الأرض أو غربها...؛ إن رعايتهم و عنايتهم بنا – إن شاء الله- شاملة و عامّة، و من ردَّ عليهم؛ على الشيعة، ؛  فقد ردَّ على الله؛ إنهم كلمة الله في أرضه، و من طعن عليهم فقد طعن على الله؛ هذا كلام الإمام أبي الحسن الرضا %،  لأنهم عباد الله حقًّا و أولياؤه صدقاً و الله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر فيشفّعه الله تعالى فيهم لكرامته على الله عز و جل»[2] يعني يشفع في الأمة العظيمة و في الجماعة الكثيرة ،  فيشفِّعه الله تعالى: أي أن الله يرفع من أمره و يُعلي من كرامته فيقبل شفاعته يوم القيامة، هذا هو مقام الشيعة.

من هم الشيعة؟

لكن و كل الكلام يقع هنا: من هم الشيعة؟!

1/ الشيعة من حيث الزمان

في رواية تحددهم زماناً بالإجمال إذ ورد عن أبي بصير عن أبي جعفر %قال: قال رسول الله 6 ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: «" اللهم لقني إخواني " ثم كرّر هذا الدعاء مرتين فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يارسول الله؟؛ أنت ماذا تعني؟ نحن أخوانك و إننا ملاقوك الآن ، فما معنى هذا الدعاء؟ ، فقال 6: لا، إنكم أصحابي؛ الأخوة شيء و الصُّحبة أمر آخر، وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني؛ هذا اللون من الإيمان الشفَّاف، هذا الحبّ و الولاء و التعلق بالرسول 6 قبل رؤيته، فكيف بنا لو رأيناه 6؟!،كما تشير قوله 6: قوم في آخر الزمان ، أنّ بيننا وبين رسول الله 6 ردح طويل من الزمان، لقد عرَّفنِيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشدّ بقية على دينه من خَرْط القتاد في الليلة الظَّلماء، أو؛ أي أن تمسكهم بدينهم و تشبثهم به و عظّهم بالنواجذ على دينهم كمن خرط القتاد ، و القتاد: هو نوع من الشجر يكثر فيه الشوك، و خرطه: يعني سحبه، في الليلة الظلماء: يعني لا يهتدي إلى مواقع الشّوك ، إنّ هذه العملية على ما فيها من مشقّة هي تصوير لكيفية قبض المؤمنين في آخر الزمان على دينهم و أن القابض على دينه كما تقول الرواية أيضاً هنا :  كالقابض على جمر الغضا؛ الغضا هو نوع من الجمر ، أو هو الخشب شديد الإحتراق ينطوي على حرارة شديدة  فكيف يصبح حال الانسان عندما يقبض على الجمر؟! و ليس أيّ جمر بل جمر الغضا، هذا اللون من الصعوبة و الشدّة يشير إلى أنه في كل آن يودّ أن يتفلّت من هذه الجمرة، هنا الرواية تقول أن المؤمن قابض على دينه كهذه الحالة، و لكن أولئك أخوة الرسول 6 أولئك مصابيح الدجى؛ إنهم ينطوون على نور و هداية يضيئون لأنفسهم و هم إضاءة للآخرين أيضاً ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة»[3]؛ عندما يمتلكون هذه الإرادة والهمّة و القوّة في القبض على دينهم، فإنهم هُداة مُهتدون يهدون الآخرين إلى سواء السبيل، و تلاحظون أنّ هذه الرواية أكثر ما تشير إلى موقعهم الزماني.

 

2/ المشخّصات الظاهريّة للشيعة

هناك رواية يُوردها الشيخ الصدوق < في كتابه صفات الشيعة حيث أن للشيخ الصدوق ) كتاباً مفصّلاً مخصَّصاً بعنوان صفات الشيعة: يبحث في من هم الشيعة ، و ما هي صفاتهم، ذكر فيه رواية طويلة إلا أننا نأخذ منها مقدار الغرض، إذ أن الشيخ الصدوق يروي في ذلك الكتاب عن الإمام الباقر % يقول: «إنما شيعة علي الشاحبون الناحلون الذابلون ذابلة شفاههم من القيام خميصة بطونهم مصفرّة ألوانهم متغيرة وجوههم إذا جنهَّم الليل اتخذوا الأرض فراشاً و استقبلوها بجباههم؛ يعني توجهوا إلى الله جل و علا بالسجود، باكية عيونهم كثيرة دموعهم صلاتهم كثيرة و دعاؤهم كثير تلاوتهم كتاب الله؛ أي أن تلاوتهم و شغلهم هو تلاوة كتاب الله، يفرحون الناس و هم يحزنون»[4].

 

3/ أخلاق الشيعة

و كذا ورد عن الباقر % كما روى جابر الجعفي يقول الإمام % لجابر :  «يا جابر يكتفي من اتخذ التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ؛ يعني أترى أنه يكفيكم أن تدّعوا حبّنا و لا نرى فيكم هذه الصفات، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله و أطاعه و ما كانوا يعرفون إلا بالتواضع و التخشُّع ؛ هذه هي صفات الشيعة: التواضع و التخشُّع، أداء الأمانة و كثرة ذكر الله و الصوم ؛ يعني و كثرة الصوم، و الصلاة و البرّ بالوالدين و التعهُّد للجيران من الفقراء و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام و صدق الحديث و تلاوة القرآن و كفّ الألسن عن الناس إلا من خير و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء؛ يعني عندما تأتي إلى العشيرة تبحث عن أمينهم، تجد أنه من شيعة علي،  قال جابر يا ابن رسول الله ما نعرف أحداً بهذه الصفة!؛ أي أنك يا ابن رسول الله أتيت بصفات يقلّ وجودها بيننا،  فقال %: يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب؛ لا تستخف بالقضايا، و لا تجعل القضايا كما يظن كثير من الناس أن الشيعة هم من يدّعي و يرفع شعار التشيع، يا جابر لا تذهبنَّ بك المذاهب حسِب الرجل أن يقول أحب علياً و أتوّلاه؛ يعني القضية هي مجرد دعاوى و مجرد أن يقول شخص أحب عليّاً فينضم إلى الشيعة؟ و يشمله ذلك المقام العالي الرفيع؟!، فلو قال إني أحب رسول الله 6 و رسول الله خيرٌ من علي ثم لا يتبع سيرته و لا يعمل بسُنتِّه ما نفعه حبّه إياّه شيئاً؛ من الواضح أن الإمام % من باب المجاراة يقول لا ينفعه حبّه و إلا في الحقيقة فإنه ليس هناك حب واقعي؛ لأنّ الحب الواقعي هو الذي يعيش في ضمير الانسان لينعكس على واقعه و سلوكه و إنما هذه دعاوى و شعارات لا تنطوي على شيء فاتقوا الله؛ أخواني اتقوا الله، و اعملوا لما عند الله ليس بين الله و بين أحد قرابة؛ لا توجد هناك وساطات ولا توجد هناك أحكام خارجة عن العدالة الإلهيَّة و الحكمة الإلهيّة، أحبُّ العباد إلى الله و أكرمهم عليه أتقاهم له و أعملهم بطاعته، يا جابر ما يتقرب العبد إلى الله تبارك و تعالى إلا بالطاعة ما معنا براءة من النار و لا على الله لأحد منكم حُجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ و من كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، و لا تنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع»[5] . أعاننا الله و إياكم على الانقياد و الإتباع لطاعته و أوامره.

 

4/ مسلك الشيعة في المجتمع

1/4- تعظيم المسجد و رعاية آدابه

قبل الانتهاء أريد أن أشير إلى مسألة خارجة عن هذا المضمار و لكنها في نفس السياق في الحقيقة، حيث أننا في هذا المكان الشريف نحتاج إلى لفت النظر إلى مجموعة من الآداب و الأحكام المرتبطة بالمساجد و موقعية المسجد في الذوق الإسلامي و في الشريعة الإسلامية، هنا نستعرض مجموعة من الأحكام التي يوردها فقهاؤنا و لعل بعضها قد لا يكون محلّ ابتلاء و لكنها تعطي إضاءة و صورة و إحساس عام إن شاء الله يُخالج أنفسكم في مقام المسجد و موقعيته.

من الأحكام التي تورد في حق المساجد أنه يحرم تنجيسه بل يجب إزالة النجاسة فوراً و هذه المسألة هي أوّل دال على قداسة المكان الذي يأخذ حكم المسجديَّة فلا يجوز تنجيسه؛ بل فيما لو عرضت نجاسة في أي موقع من مواقع المسجد يجب فوراً!، و على كل من يعرف بوجود هذه النجاسة بأن يتفرَّغ لتطهير المكان المتنجِّس، فلا يجوز مثلاً إدخال النجاسات إلى المسجد بل لا يجوز إدخال النجاسة إلى المسجد إذا كانت جافة و لا تؤثر في المسجد و لكن لا تتلاءم مع حرمته، حيث يحرُم ما يؤدي إلى هتك حرمة المسجد.

من الأحكام التي يذكرها الفقهاء في حق المساجد أيضاً، أنه لا يجوز إخراج الحصى سابقاً كانت المساجد تُفرش بالحصى، إنّ الحصاة لا يجوز إخراجها من المسجد فضلاً عن القرآن أو الكتب أو المسابيح أو ما يرتبط بالمسجد من أملاك المسجد لا يجوز إخراجه حتى لو أردت أن تقرأ القرآن خارج المسجد لا يجوز لك إخراج القرآن من المسجد و لو أخرجته وجب عليك ردّه إلى المسجد فوراً. من الأحكام: استحباب السبق، أي سبق الناس في الدخول إلى المساجد و التأخر عنهم في الخروج ، يستحب المبادرة إلى المجيء في المسجد لا تكن من المتخلِّفين في الإنضمام إلى المسجد.

من المستحبات التي تذكر للمسجد أنه يستحب الإسراج، أي يستحب أن يُضاء المسجد لا يبقى مظلماً، و يستحب كنسه و الإبتداء بالدخول بالرجل اليمنى و الخروج باليسرى كما يستحب أن يتعاهد نعله ، لاحظوا هذه القضايا قد تكون من بسائط الأمور و صغائرها و لكن يذكرها الفقهاء لأنها تعطي مزاجاً عاماً و تعطي انسياقاً عاماً في التعامل مع المساجد، هذه الأمور البسيطة تكشف عن مدى اعتناء الانسان بالمسجد.

من المستحبات أيضاً أن يلبس جديد الملابس حيث يستحب التطهير و لبس الثياب الفاخرة أن تأتي إلى المسجد بأطيب ثيابك و أفخرها. كما يقول الفقهاء أيضاً أنه يُكره استطراق المسجد أي أن تدخل من طرف و تخرج من طرف لا لغرض إلا أن تتخذ المسجد طريقاً لك، هذا مكروه و ترتفع الكراهة عندما تقف في المسجد و تصلي تحية المسجد.

إنّ المسجد هو ملك لكل المسلمين؛ فلا يوجد لأحد حقّ على أحد في المسجد ، لا تستطيع أن تقول لأحد قم من هذا المكان و اجلس في هذا المكان كائناً من كان. و قد يقول الفقهاء أنّ هناك ما يسمى بحقّ السّبق يعني كل من سبق إلى مكان في المسجد فله حق شرعي في هذا المكان، و لا يجوز لأحد أن يعتدي على حقّه.

 يستحب صلاة التحية بمجرد دخول المسجد ، لأنه عليكَ أن تجعل المسجد محلّ إقبال و علاقة مع الله جل وعلا ، فإذا أتيت المسجد في غير وقت الصلاة الواجبة يستحب أن تأتي بركعتين تحية المسجد و إن كانت صلاة جماعة فيمكنك أن تصليها و تقصد فيها أن تكون صلاة الظهر –مثلاً- و هي في نفس الوقت تحية للمسجد.

يُكره في المسجد رفع الصوت، كما يُكره إنشاد الضالّة؛ إنشاد الضالة: يعني إذا أضلّ أحدنا شيئاً فإنه يأتي للمسجد -باعتبار اجتماع المسلمين فيه- فيسألهم أين هذا الشيء و أين ذاك الشيء. طبعاً هذه الأمور قد لا تضر بالمسجد و لكنها تضر بروح المسجديّة و غرضها.

يُكره قراءة الشعر كما يُكره البيع و الشراء و أمور الدنيا، كما يكره تمكين الأطفال و المجانين ، تمكين الأطفال: أن تأتي بالأطفال و تتركهم يُعيثون فساداً في المسجد. نعم يحسُن الإتيان بالأطفال لتعليمهم آداب الصلاة و الآداب العامَّة في الجلوس و القيام و احترام الشأن العامّ، و لكن لا نأتي بالأطفال و نمكِّنهم من المسجد.

2/4- الإلتزام بصلاة الجماعة

هنا أشير إلى مسألة صلاة الجماعة، و هي بعنوانها الأولي مستحب و لكن كما سوف نشير من خلال هذه الرواية التي تتكلم عن فضيلة الجماعة أن الإستهانة بهذه الفضيلة يحكي عن عدم الإيمان و من هنا تقول الفتاوى الفقهيّة أنه لا يجوز ترك الجماعة بناء على هذا، و هذه فتوى موجودة في الكتب الفقهية إلا أنها مشروطة حيث عندما لا يجوز تركها رغبة عنها و استخفافاً بها.

تقول الروايات عن الرسول 6 أنه قال: أتاني جبرائيل % مع سبعين ألف ملك –دلالة على الاعتناء و الاهتمام بمضمون هذه الرواية-  فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام و أهدى إليك هاتين: الوتر و الصلوات الخمس في جماعة قلت يا جبرائيل ما لأمتي في الجماعة قال يامحمد إن كان اثنين كتب الله لكل واحد في كل ركعة 150 صلاة –وليس ركعة- ..1200صلاة ثم تترقى الرواية كلما زاد عدد المصلين زاد ثوابهم حتى العشرة ما هو ثوابهم؟ - فإذا زادوا عن العشر الثقلان –يعني الجن و الإنس- و الملائكة يكتبون بالأشجار و الأشجار تمتد بمداد البحار لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة من ركعة الجماعة...

هذا اللون من التعظيم في حق صلاة الجماعة، فما بالنا بشخص قريب من المسجد و يتكاسل عن الإتيان في صلاة الجماعة، ماذا يعني؟ يعني أنه لا يجوز تركها رغبة عنها و استخفافاً بها.

رزقنا الله و إياكم إلى الإلتزام بالجماعات و الإلتزام بسلوك شيعة علي % لكي نبلغ هذه المقامات و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين.

 


[1]  الأنعام/ 126-127.

[2]  صفات الشيعة، ص4.

[3]  البحار، ج52، ص124؛ بصائر الدرجات، ج1، ص .

[4]  الصدوق، صفات الشيعة، ص12.

[5]  الصدوق، صفات الشيعة، ص12.

صور اخري

الشيخ عبدالله النمر

التعليقات

لا توجد تعليقات

أضف تعليق علني