في رحل الحسين 3: صون السر (التوحيد)

25-07-2023

صون السر (التوحيد)

8/1/1431هـ

مما دعى به سيد الشهداء أبو عبد الله % في بعض خلواته و مناجاته مع الله جل و علا: إلهي تَرَدُّدي في الآثارِ يُوجِبُ بُعدَ المَزارِ ، فاجمَعْني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ تُوصِلُني إلَيكَ ، كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ ؟ ! أ يَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ ؟! مَتى غبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً ، إِلهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلى الآثارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

الرجوع إلى الله في دعاء الإمام الحسين %

1/ الرجوع إلى الله من خلال آثاره

في إشارة سريعة و إطلالة عاجلة على مجمل المعاني التي يشير اليها الإمام الحسين % في طيات هذا الدعاء يقول إنك أي رب أمرتنا و أحلتنا الى الآثار و الموجودات و المخلوقات للاستدلال بها لأنها آياتك و دلائلك و لأنها طريق إليك، أحلتنا الى هذه العوالم للإنطلاق منها إليك و هذا ما يقرره العلماء ضمن دليل النظم و ضمن دليل القدرة و الحكمة، فما في هذه الموجودات من آيات و دلائل و نظم و إحكام دليل على أن الخالق جل و علا محكِم و قدير و خالق. و لكنه يشتكي الى الله و يلجأ إليه من أن يكون نظره في هذه الدلائل آلة و طريق إليه جل و علا.

2/ الرجوع إلى الله بالله

لكن الإمام الحسين يريد أن يتخلص حتى من هذه الآلية و يريد أن يتجرد حتى من هذه الطريقية يقول %: (إلهي أمرت بالرجوع الى الآثار)؛ المخلوقات و الموجودات و هذا العالم بأجمع كله آثار صنعة الله، (فارجعني إليك) أصل وجودي كان من عندك و عندما ذهبت الى هذه الآثار احتاج الى رجوع فهناك حركة و تردد كما أشار عليه السلام بقوله: (إن ترددي في الآثار يوجب بعد المزار)؛ هذا التنقل في ضمن الآثار موجب للابتعاد عن الله جل و علا إذن هناك حركتين الحركة الأولى من الله إلى الآثار و الحركة الثانية في الآثار.

الحركة الأولى من الله الى الآثار يعبر عنها الإمام % بقوله: (فارجعني إليك بكسوة الأنوار و هداية الاستبصار حتى ارجع إليك منها كما دخلت إليك منها)؛ أي أني ارجع من هذه الآثار الى الله جل و علا كما أنني ذهبت الى هذه الآثار للدخول فيها إلى الله جل و علا كما دخلت إليك منها فهذه الآثار و هذه الموجودات و العوالم ليست بالنسبة للإمام الا سبيل وممر الى الله جل و علا و لكن الإمام يجد بعض المشقة و الألم في اتخاذه هذا السبيل من حيث أنها تخدش بلون من ألوان التوحيد الذي يجأر الحسين الى الله في بلوغه و تحققه في نفسه. تقريبا هو هذا المعنى بإجماله و إبهامه أيضا و لكي تكون الصورة واضحة نحتاج إلى تفكيك بعض الإصطلاحات و تجلية بعض المعاني لكي تكون هناك لغة مشتركة و يكون الخطاب مفهوماً.

معنى التوحيد

1/ التوحيد في اللغة

نقول ابتداء أن للتوحيد مقامات و مراتب و له معانٍ، الإمام أمير المؤمنين عندما سئل عن وحدانية الله فقال للسائل القول بأن الله واحد على معان أربع فبعضها يصح و بعضها لايصح هنا الكلام عن معنى التوحيد في الحيثية اللغوية إذ أننا نقول في اللغة واحد و اثنان و ثلاثة هنا عدد واحد الذي له اثنان و ثلاثة لا يحق في حق الله جل و علا فلا يقال الله جل و علا واحد من الاثنين و الثلاثة فليس هو فرد من مجموعة فليس هو الواحد بهذا المعنى كما أننا في اللغة نقول و هذا ما هو دارج في لسان العرب و لعله قلما يستعمل اليوم يقال هذا واحد من الرجال أي جنس الرجال و الآن ليس من الضروري اتضاح معاني  الوحدة لأن لها حيثيات لغوية أكثر مما لها من معان عقائدية.

2/ التوحيد في الاصطلاح العقائدي

المعنى الصحيح للوحدة هو أنه متفرد لا شريك له و لا مثيل له و هذا معنى واضح و بين و نفهمه.

مراتب التوحيد

المهم هو أن نعرف مراتب التوحيد و مقاماته فمقامات التوحيد قد وقفنا عليها أثناء الدراسات كما يقولون هناك توحيد الافعال  و توحيد الصفات و توحيد الذات ثم يقولون توحيد الربوبية و توحيد الألوهيه. و هنا تتعدد المصطلحات و يرجع بعضها إلى بعض و لا بأس باستحضار معاني هذه الألفاظ لكي تكون المادة المطروحة واضحة. هناك توحيد الذات و الصفات متقابلان كما أن توحيد الربوبية يقابل توحيد الألوهية.

1/ توحيد الذات

لتوحيد الذات معنيان، تارة يراد بأنه واحد لا شريك له و أنه متفرد و هذا معنى قولنا لا اله الا الله يعني لايوجد إله في هذا الوجود إلا الله يعني لا خالق و لا صانع و لا مهيمن على هذا الوجود إلا الله جل و علا، واحد أحد في وجوده جل و علا و تارة أخرى يراد به أنه هو بسيط و ليس مركب كما هو الحال في الانسان الذي هو روح و جسم و روحه حيوانية ناطقة و كل الموجودات الخارجية التي يقال عنها أنها زوج تركيبي حيث أن الموجودات الخارجية كلها مركبة مهما بلغت في البساطة فهي لا تخلو من حاجة الى تركيب للتحقق في الخارج فالله جل و علا واحد في ذاته أي بسيط ليس مركب سواء كان التركيب خارجياً أو عقلياً.

2/ توحيد الأسماء و الصفات

يقابل توحيد الذات، و يقصدون بتوحيد الأسماء و الصفات أن ما ندركه من تعدد في صفات الله جل و علا بأن نقول أن الله جل و علا قدير حكيم جبار قهار هذه الصفات المتكثرة المتعددة ترجع في حقيقتها الى شيء واحد بسيط، و لعل هذا المعنى هو نفس معنى توحيد الذات بالمعنى الثاني يعني توحيد الصفات و الأسماء أن هذه الصفات في حقيقتها و في الخارج هي شيء واحد بسيط أشبه ما يكون بلؤلؤة و جوهرة تتمظهر لك بألوان و ملامح متفاوتة و لكنها في ذاتها أمر بسيط.

3/ توحيد الربوبية أو توحيد الأفعال

توحيد الربوبية و توحيد الألوهية يراد به توحيد الربوبية نفس معنى توحيد الأفعال أي أن كل ما يجري في هذا الوجود هو بإرادة الله و يجري ضمن الهيمنة الإلهية المبسوطة على ذرات هذا الوجود، فلا فاعل و لا مدبر و لا مؤثر في هذا الوجود إلا الله جل و علا.

4/ توحيد الألوهية

توحيد الربوبية يقابله توحيد الألوهية، الألوهية التأليه و العبادة و الطاعة و الانقياد حيث أنه لا مدبر و لا مسير و لا ضار و لا نافع في هذا الوجود إلا الله جل وعلا فحق أن يكون هو المعبود و المطاع و المهيمن و المسيطر فهو المتبَّع و المنقاد إليه، و هنا هل هذا الفعل يخِلّ بتوحيد الألوهية أو لا يخِل كالدعاء للأموات، هذا راجع الى البحث الفقهي في أنه ما هي دائرة التأليه الإلهي كيف نطيع الله و في أي حدود و في أي دائرة؟

هذه هي المقامات التوحيدية بمعنى أن هناك مقام للتوحيد الربوبي و الأفعالي و هناك مقام للتوحيد الألوهي و العبادة و الطاعة و الانقياد و لكن هناك أيضا مستويات في توحيد الله جل و علا.

 مستويات التوحيد عند الموحِّدِين

1/ التوحيد اللفظي

فهناك التوحيد اللفظي الذي يأمن به القائل به على دمه و عرضه فكل من قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أمن على عرضه و دمه و أصبح أخا للمسلمين يحل له ما يحل لهم و يحرم عليه ما يحرم عليهم و له من الحقوق مثل ما لهم بغض النظر عما في قلبه و نفسه.

2/ التوحيد التصوري

ثم هناك مستوى أرفع من هذه المرتبة و هي مرتبة تصور هذه المعنى و إدراك هذا المعنى تصورا و إن كنا لن نبلغ التصور الحقيقي للوحدة الربانية و للتوحيد الإلهي إلا من خلال السلوك العملي الوجداني الذي سنشير إلى بعض مناحيه في ما يأتي من الحديث. و لكن بالإجمال نقول أن بعد التوحيد اللفظي هناك توحيد على مستوى التصور أي أن يتصور الشخص أن الله واحد أحد و أن لا شريك له ولا مدبر لهذا الوجود إلا الله جل و علا.

3/ التوحيد السلوكي

ثم يترقى الانسان الى مستوى أرفع من هذه المرتبة و هي مرتبة التأمل في هذا المعنى و العيش مع هذا المعنى و هذا طريق طويل لانهاية لآفاقه و أبعاده إذ أن الانسان كلما جال في هذه العوالم كلما رجع الى الله جل و علا و أحس بوحدانية الله جل و علا و تفرد الله بإدارة هذا الكون حتى يبلغ به مرتبة جديدة من التوحيد و هي التوحيد العملي بحيث تعطيه مشاعره وإدراكه و تصوره لوحدانية الله مع إحساسه بأن هذا الوجود مدبر من قبل الله جل و علا حالة طمأنينة داخلية تنعكس عليه على مستوى العمل و السلوك. تجد أن المؤمن في تجارته و حياته و منزله و في مخالطته للمجتمع و في كل أبعاده يحكّم هذا الشعور في سلوكه، بينما تجد أن سلوكيات الانسان غير  الموحد توحيدا واقعيا و حقيقاً مفتقرة إلى حالة الثقة والاطمئنان فيعيش هذا الانسان القلق والاضطراب. تجد أن الانسان المؤمن في سلوكه مطمئن الى أن ما يرزقه الله هو ما يصل اليه فلا تجده حريصا و لا تجده منطلقا في كسب الرزق إلا من خلال المنافذ الشرعية بينما تجد الانسان الذي ينظر الى الأسباب و يعوِّل عليها فإنه يطمئن إليها و يركن إليها و يعوِّل عليها!.

4/ التوحيد الفطري

لقد طوى الإمام الحسين % كل هذه المراتب و المستويات التوحيدية، و انطلق في مرتبة جديدة من التوحيد يمكننا أن نطلق عليها التوحيد الفطري و ليتضح معنى التوحيد الفطري لنلاحظ التمييز بين الفطرة و الغريزة، و لعل كثير من الناس يستعمل هذين اللفظين بشكل متداخل. الانسان في وجوده مركب من البدن و الروح و أول ما يحركه و يفعّله في طفولته هو احتياجات البدن و هذا ما يسمى بالغريزة ففي الطفولة تكون نوازع البدن و احتياجاته هي الأكثر فاعلية و الأشد تأثيراً و لذلك نجد الطفل يتحرك و يتفاعل مع احتياجات بدنه حيث أنه إذا جاع يبكي و إذا عطش يبكي و إذا شعر بعدم ملاءمة شيء يبكي، هذه الأحاسيس و التطلعات تنمو في ذات الانسان و تتشعب إلى حيث انها تدخل في أعماقه وروحه أيضاً حتى أنه في بعض مراحل عمره قد يخضع لبعض هذه النوازع البدنية فتجد شخصاً كبيراً عاقلاً يطوّع عقله لخدمات الغريزة و هذا ما يقال من أنه   كَم مِن عَقلٍ أسيرٍ تَحتَ هَوى أميرٍ [1]؛ هذه النوازع و الغرائز أعدت في الانسان لتعطيه أسباب البقاء و لولا هذه النوازع لهلك الانسان لأنه لو لم يكن يشعر بالحاجة للأكل و الشرب لما أكل و لا شرب و إذا لم يأكل و يشرب يموت و لولا أنه يحس بالحاجة الى اللباس الملائم لما لبس ما يلائمه من مترف الثياب و هنا سوف يتعرض إلى أسباب الهلاك من البرد و الحر و لولا الى أن بدنه يدعوه الى الحاجة الى الجماع لما جامع و لما تكاثر فإذن هذه الغرائز أعطيت للانسان لأنها سبيله الى البقاء والاستمرار. و لكن هذه الغرائز تكون لها هذه الحالة إذا فعّلت ضمن دائرة العقل، و أما إذا هيمنت الغرائز على الروح و العقل و سيطرت على العقل فإنها تتحول إلى شهوات حيث أنها لا تشبع و لا تكتفي فتجد مثل معاوية أنه يأكل حتى التخمة حتى يقول ارفعوا هذا الطعام فوالله ما شبعت و لكن كلت أسناني إنه لايدرك حد الشبع إنه لا يتوقف عند حد الشبع و من لا يشبعه القليل فلا يشبعه الكثير؛ لأنه يأكل لا لحاجة بدنية بل يأكل لرغبة روحية! حيث اختلطت عليه أحاسيس البدن بحاجات الروح و لكن فوق هذه النوازع و الرغبات و الغرائز هناك حاجة تقتضيها الروح و تتطلع إليها و هي حالة الانقطاع الى الله جل و علا، و التسامي عن المادة، الترفع عن قيود البدن. هذه التطلعات و الاحتياجات تبقى عطشى و تلح و تبقى تحتاج و لا تُحد و هذا هو الفرق بين النوازع البدنية و الروحية، فنوازع البدن عندما تشبع يجب أن تُكَف و تُحَد و تُهذَّب و تشذّب بينما نوازع الروح كلما أعطيت كلما ازدادت:  (مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ؛ طَالِبُ عِلْمٍ، وَ طَالِبُ دُنْيَا)[2]؛ طالب الدنيا والمال لكي يكف نهمه يجب أن يكف عن البحث و يجب أن يشذّب هذه الحالة من النهم الى الغريزة و الى احتياجات البدن عندما تُكف تشبع وتعطى حاجتها و حدّها المحدود تكتفي، و هذا ما نلمسه من خلال العيش. أما الروح فإنها لا تشبع فالانسان لا يكتفي من القرب الإلهي بحد بل كلما قرب من الله كلما شعر  بضمأ و حاجة و كلما تقدم في مستويات الكمال و الرفعة كلما كان أشد التصاقا و التياطا و ارتباطا بهذه العوالم.

فوق هذه المعاني من التوحيد معنى آخر، هو الذي يتطلع إليه الإمام الحسين و هو  أنه ما كان يريد أن يرتبط بالله فقط!، بل كان يريد أن يتجرد من كل ما سوى الله جل و علا، لا على مستوى الارتباط الخارجي العملي ولا حتى على مستوى الارتباط التلذذي و الحسي و إنما على مستوى الارتباط الإدراكي، أي يريد أن لا ير غير الله جل و علا. كم كان يجأر الى الله جل و علا و يتألم و يشتكي الى الله جل و علا في أن هذا التردد يوجب ألما يعبِّر عنه ب: (ترددي في الاثار يوجب بعد المزار)؛ الإمام % يتلهف الى أن يبقى قريبا من الله و أن لا يلحظ حتى الآيات الربانية و لا يلحظ حتى يد الله في الكون و شؤونه؛ بل يريد الله جل و علا لأن كل ما في هذا الكون هي آيات ربانية و شأن من شؤونه جل و علا و هي مظاهر من وجود الله جل و علا. الإمام % يقول: (كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك)؛ هذه الموجودات هي منك فكيف أجعلها سبيلا إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك؛ كيف لي و أنا أعيش هذه الظواهر و أجعل منها سبيلا للوصول إليك، (وهي في وجودها مفتقرة إليك)؛ و هي في ظهورها كسبت الظهور من نورانيتك. (متى غبت حتى تحتاج الى دليل)؛ أنت إنما يُستدل بها عليك إذا غبت و هنا لا يتحمل الإمام % هذه الحالة، (متى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك)؛ بنفس المعنى السابق يقول %: (عميت عين لاتراك عليها رقيبا)؛ إذا كنت أنا في حالة الاستدلال بهذه الآيات عليك فهنا إنما هذا لضعف النظر إليك و لضعف الارتباط بك و لضعف الحب و الشوق و الارتباط بك بشكل مباشر. هنا الإمام يثير في النفس ماتحتاجه فطرتها من الاتباط بالله سبحانه بشكل مباشر.

يقول %: (إلهي أمرت بالرجوع الى الآثار)؛ نعم لقد أمرت أن نرجع الى هذه الآثار و نجعلها سبيلا للوصول إليك و لكن يتمم، (فارجعني إليك بكسوة الأنوار و هداية الاستبصار)؛ إذن عندما أذهب الى الآثار لا ألتفت إليها و لا أنظر إليها حتى ارجع إليك منها؛ هذه الحركة الثانية، أنا إنما أذهب الى الآثار إنما هو دخول إليك من خلال هذه الآثار، و لكن كل ما يهفو إليه الإمام و يسعى إليه إنما هو: (مصون السر) ! يقول %: (حتى ارجع إليك منها ... مصون السر)؛ صون السر هو القلب و أعماق الانسان و هي الفطرة، هذا الإحساس العميق و المشاعر الدقيقة في أعماق الانسان هذه من المشاعر الصافية العميقة التي لا يدركها كثير من الناس الذين يعيشون حياتهم في مأكل و مشرب و مبحث عن أسباب الكسب و العيش بينما من يعيش أعماقه و من يدخل في أحاسيسه، من يتلمس أدق المعاني و الأحاسيس في أعماقه. هناك سوف يتلمس هذه الأحاسيس و سوف يشعر بأهمية أن يرتبط بالله جل و علا و سوف يعيش حالة الشوق الى الله جل و علا و سوف يدرك آنذاك ماذا يعني أن ينقطع عن الله جل وعلا! سوف يصبر عند ذاك على أشد أنواع العذاب إلا أن ينقطع عن الله، و سوف يتحمل كل ألوان الآلام إلا الانقطاع عن الله جل و علا فإنه فوق التصور و التحمل، نرجو من الله سبحانه و تعالى أن يمنّ علينا بالإمام % و بشفاعته و أن يوفقنا الى سلوك هذا الطريق و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على آل بيته الطيبين الطاهرين.

 

[1] نهج البلاغة : الحكمة 211.

[2] المصدر السابق، الحكمة 457.

الشيخ عبدالله النمر

التعليقات

لا توجد تعليقات

أضف تعليق علني